كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



والغرض من إنزال الكتاب واضح صريح: {لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً}.
ويغلب ظل الإنذار الصارم في التعبير كله. فهو يبدأ به على وجه الإجمال: {لينذر بأساً شديداً من لدنه}. ثم يعود إليه على وجه التخصيص: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً}.. وبينهما تبشير للمؤمنين {الذين يعملون الصالحات} بهذا القيد الذي يجعل للإيمان دليله العملي الظاهر المستند إلى الواقع الأكيد.
ثم يأخذ في كشف المنهج الفاسد الذي يتخذونه للحكم على أكبر القضايا وأخطرها. قضية العقيدة: {ما لهم به من علم ولا لآبائهم}..
فما أشنع وما أفظع أن يفضوا بهذا القول بغير علم، هكذا جزافاً:
{كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}..
وتشترك الألفاظ بنظمها في العبرة وجرسها في النطق في تفظيع هذه الكلمة التي يقولونها. فهو يبدأ بكلمة {كبرت} لتجبه السامع بالضخامة والفظاعة وتملأ الجو بهما. ويجعل الكلمة الكبيرة تمييزاً لضميرها في الجملة: {كبرت كلمة} زيادة في توجيه الانتباه إليها. ويجعل هذه الكلمة تخرج من أفواههم خروجاً كأنما تنطلق منها جزافاً وتندفع منها اندفاعاً {تخرج من أفواههم}. وتشارك لفظة {أفواههم} بجرسها الخاص في تكبير هذه الكلمة وتفظيعها، فالناطق بها يفتح فاه في مقطعها الأول بما فيه من مد: {أفوا...} ثم تتوالى الهاءان فيمتلئ الفم بهما قبل أن يطبق على الميم في نهاية اللفظة: {أفواههم}. وبذلك يشترك نظم الجملة وجرس اللفظة في تصوير المعنى ورسم الظل. ويعقب على ذلك بالتوكيد عن طريق النفي والاستثناء: {إن يقولون إلا كذباً}: ويختار للنفي كلمة: {إن} لاكلمة {ما} لأن في الأولى صرامة بالسكون الواضح، وفي لفظ {ما} شيء من الليونة بالمد.. وذلك لزيادة التشديد في الاستنكار، ولزيادة التوكيد لكذب هذه الكلمة الكبيرة..
وفيما يشبه الإنكار يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يحزنه أن يكذب قومه بالقرآن ويعرضوا عن الهدى، ويذهبوا في الطريق الذي يعلم صلى الله عليه وسلم أنه مود بهم إلى الهلاك.
فيما يشبه الإنكار يقول للرسول صلى الله عليه وسلم:
{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً}!
أي فلعلك قاتل نفسك أسفاً وحزناً عليهم، إن لم يؤمنوا بهذا القرآن. وما يستحق هؤلاء أن تحزن عليهم وتأسف. فدعهم فقد جعلنا ما على الأرض من زخرف ومتاع، وأموال وأولاد.. جعلناه اختباراً وامتحاناً لأهلها، ليتبين من يحسن منهم العمل في الدنيا، ويستحق نعمتها، كما يستحق نعيم الآخرة:
{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً}.
والله يعلم. ولكنه يجزي على ما يصدر من العباد فعلاً، وما يتحقق منهم في الحياة عملاً. ويسكت عمن لا يحسنون العمل فلا يذكرهم لأن مفهوم التعبير واضح.
ونهاية هذه الزينة محتومة. فستعود الأرض مجردة منها، وسيهلك كل ما عليها، فتصبح قبل يوم القيامة سطحاً أجرد خشناً جدباً:
{وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً}.
وفي التعبير صرامة، وفي المشهد الذي يرسمه كذلك. وكلمة {جرزا} تصور معنى الجدب بجرسها اللفظي. كما أن كلمة {صعيدا} ترسم مشهد الاستواء والصلادة!
ثم تجيء قصة أصحاب الكهف، فتعرض نموذجاً للإيمان في النفوس المؤمنة. كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها، وتلجأ به إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش به مع الناس. وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة، ويقيها الفتنة، ويشملها بالرحمة.
وفي القصة روايات شتى، وأقاويل كثيرة. فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتى. ونحن نقف فيها عند حد ما جاء في القرآن، فهو المصدر الوحيد المستيقن. ونطرح سائر الروايات والأساطير التي اندست في التفاسير بلا سند صحيح. وبخاصة أن القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء غير القرآن فيها، وعن المراء فيها والجدل رجماً بالغيب.
وقد ورد في سبب نزولها ونزول قصة ذي القرنين أن اليهود أغروا أهل مكة بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عنهما وعن الروح. أو أن أهل مكة طلبوا إلى اليهود أن يصوغوا لهم أسئلة يختبرون بها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يكون هذا كله أو بعضه صحيحاً. فقد جاء في أول قصة ذي القرنين: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً} ولكن لم تجيء عن قصة أصحاب الكهف مثل هذه الإشارة. فنحن نمضي في القصة لذاتها وهي واضحة الارتباط بمحور السورة كما بينا.
إن الطريقة التي اتبعت في عرض هذه القصة من الناحية الفنية هي طريقة التلخيص الإجمالي أولاً، ثم العرض التفصيلي أخيراً. وهي تعرض في مشاهد وتترك بين المشاهد فجوات يعرف ما فيها من السياق.
وهي تبدأ هكذا:
{أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً}.
وهو تلخيص يجمل القصة، ويرسم خطوطها الرئيسية العريضة. فنعرف أن أصحاب الكهف فتية لا نعلم عددهم آووا إلى الكهف وهم مؤمنون. وأنه ضرب على آذانهم في الكهف أي ناموا سنين معدودة لا نعلم عددها وأنهم بعثوا من رقدتهم الطويلة. وأنه كان هناك فريقان يتجادلان في شأنهم ثم لبثوا في الكهف فبعثوا ليتبين أي الفريقين أدق إحصاء. وأن قصتهم على غرابتها ليست بأعجب آيات الله. وفي صفحات هذا الكون من العجائب وفي ثناياه من الغرائب ما يفوق قصة أصحاب الكهف والرقيم.
وبعد هذا التلخيص المشوق للقصة يأخذ السياق في التفصيل. ويبدأ هذا التفصيل بأن ما سيقصه الله منها هو فصل الخطاب في الروايات المتضاربة، وهو الحق اليقين:
{نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً}.
هذا هو المشهد الأول من مشاهد القصة. {إنهم فتية آمنوا بربهم}.. {وزدناهم هدى} بإلهامهم كيف يدبرون أمرهم. {وربطنا على قلوبهم} فإذا هي ثابتة راسخة، مطمئنة إلى الحق الذي عرفت. معتزة بالإيمان الذي اختارت {إذ قاموا}.. والقيام حركة تدل على العزم والثبات. {فقالوا ربنا رب السماوات والأرض}.. فهو رب هذا الكون كله {لن ندعو من دونه إلهاً}.. فهو واحد بلا شريك. {لقد قلنا إذن شططاً}.. وتجاوزنا الحق وحدنا عن الصواب.
ثم يلتفتون إلى ما عليه قومهم فيستنكرونه، ويستنكرون المنهج الذي يسلكونه في تكوين العقيدة:
{هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين}..
فهذا هو طريق الاعتقاد: أن يكون للإنسان دليل قوي يستند إليه، وبرهان له سلطان على النفوس والعقول. وإلا فهو الكذب الشنيع، لأنه الكذب على الله: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً}.
وإلى هنا يبدو موقف الفتية واضحاً صريحاً حاسماً، لا تردد فيه ولا تلعثم.. إنهم فتية، أشداء في أجسامهم، أشداء في إيمانهم. أشداء في استنكار ما عليه قومهم..
ولقد تبين الطريقان، واختلف المنهجان، فلا سبيل إلى الالتقاء، ولا للمشاركة في الحياة.
ولا بد من الفرار بالعقيدة. إنهم ليسوا رسلاً إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها، ويتلقوا ما يتلقاه الرسل. إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر، ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها، وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم ويداوروهم، ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله. والأرجح أن أمرهم قد كشف. فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى الله، وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة. وقد أجمعوا أمرهم فهم يتناجون بينهم:
{وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً}..
وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة. فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم، ويهجرون ديارهم، ويفارقون أهلهم. ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة. وهؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم. هؤلاء يستروحون رحمة الله. ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة. {ينشر لكم ربكم من رحمته} ولفظة {ينشر} تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح. فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها، وتشملهم بالرفق واللين والرخاء.. إن الحدود الضيقة لتنزاح، وإن الجدران الصلدة لترق، وإن الوحشة الموغلة لتشف، فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق.
إنه الإيمان..
وما قيمة الظواهر؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية؟ إن هنالك عالماً آخر في جنبات القلب المغمور بالإيمان، المأنوس بالرحمن. عالماً تظلله الرحمة والرفق والاطمئنان والرضوان.
ويسدل الستار على هذا المشهد. ليرفع على مشهد آخر والفتية في الكهف وقد ضرب الله عليهم النعاس.
{وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً}.
وهو مشهد تصويري عجيب، ينقل بالكلمات هيئة الفتية في الكهف، كما يلتقطها شريط متحرك. والشمس تطلع على الكهف فتميل عنه كأنها متعمدة. ولفظ {تزاور} تصور مدلولها وتلقي ظل الإرادة في عملها. والشمس تغرب فتجاوزهم إلى الشمال وهم في فجوة منه..
وقبل أن يكمل نقل المشهد العجيب يعلق على وضعهم ذاك بأحد التعليقات القرآنية التي تتخلل سياق القصص لتوجيه القلوب في اللحظة المناسبة:
{ذلك من آيات الله}.. وضعهم هكذا في الكهف والشمس لا تنالهم بأشعتها وتقرب منهم بضوئها. وهم في مكانهم لا يموتون ولا يتحركون.
{من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً}.. وللهدى والضلال ناموس. فمن اهتدى بآيات الله فقد هداه الله وفق ناموسه وهو المهتدي حقاً. ومن لم يأخذ بأسباب الهدى ضل، وجاء ضلاله وفق الناموس الإلهي فقد أضله الله إذن، ولن تجد له من بعد هادياً.
ثم يمضي السياق يكمل المشهد العجيب. وهم يقلبون من جنب إلى جنب في نومتهم الطويلة. فيحسبهم الرائي أيقاظاً وهم رقود. وكلبهم على عادة الكلاب باسط ذراعية بالفناء قريباً من باب الكهف كأنه يحرسهم. وهم في هيئتهم هذه يثيرون الرعب في قلب من يطلع عليهم. إذ يراهم نياماً كالأيقاظ، يتقلبون ولا يستيقظون. وذلك من تدبير الله كي لا يعبث بهم عابث، حتى يحين الوقت المعلوم.
وفجأة تدب فيهم الحياة. فلننظر ولنسمع:
{وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً}..
إن السياق يحتفظ بالمفاجأة في عرض القصة، فيعرض هذا المشهد، والفتية يستيقظون وهم لا يعرفون كم لبثوا منذ أن أدركهم النعاس.. إنهم يفركون أعينهم، ويلتفت أحدهم إلى الآخرين فيسأل: كم لبثتم؟ كما يسأل من يستيقظ من نوم طويل. ولابد أنه كان يحس بآثار نوم طويل. {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم}!
ثم رأوا أن يتركوا هذه المسألة التي لا طائل وراء البحث فيها، ويدعوا أمرها لله شأن المؤمن في كل ما يعرض له مما يجهله وأن يأخذوا في شأن عملي. فهم جائعون. ولديهم نقود فضية خرجوا بها من المدينة: {قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه}.. أي فليختر أطيب طعام في المدينة فليأتكم بشيء منه.
وهم يحذرون أن ينكشف أمرهم ويعرف مخبؤهم، فيأخذهم أصحاب السلطان في المدينة فيقتلوهم رجماً بوصفهم خارجين على الدين لأنهم يعبدون إلهاً واحداً في المدينة المشركة! أو يفتنوهم عن عقيدتهم بالتعذيب. وهذه هي التي يتقونها. لذلك يوصون الرسول أن يكون حذراً لبقاً: {وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا}.. فما يفلح من يرتد عن الإيمان إلى الشرك، وإنها للخسارة الكبرى.
وهكذا نشهد الفتية يتناجون فيما بينهم، حذرين خائفين، لا يدرون أن الأعوام قد كرت، وأن عجلة الزمن قد دارت، وأن أجيالاً قد تعاقبت، وأن مدينتهم التي يعرفونها قد تغيرت معالمها، وأن المتسلطين الذين يخشونهم على عقيدتهم قد دالت دولتهم، وأن قصة الفتية الذين فروا بدينهم في عهد الملك الظالم قد تناقلها الخلف عن السلف؛ وأن الأقاويل حولهم متعارضة؛ حول عقيدتهم، وحول الفترة التي مضت منذ اختفائهم.
وهنا يسدل على مشهدهم في الكهف ليرفع على مشهد آخر. وبين المشهدين فجوة متروكة في السياق القرآني.
ونفهم أن أهل المدينة اليوم مؤمنون، فهم شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين بعد أن انكشف أمرهم بذهاب أحدهم لشراء الطعام، وعرف الناس أنه أحد الفتية الذين فروا بدينهم منذ عهد بعيد.
ولنا أن نتصور ضخامة المفاجأة التي اعترت الفتية بعد أن أيقن زميلهم أن المدينة قد مضى عليها العهد الطويل منذ أن فارقوها؛ وأن الدنيا تبدلت من حولهم فلم يعد لشيء مما ينكرونه ولا لشيء مما يعرفونه وجود! وأنهم من جيل قديم مضت عليه القرون. وأنهم أعجوبة في نظر الناس وحسهم، فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين. وأن كل ما يربطهم بجيلهم من قرابات ومعاملات ومشاعر وعادات وتقاليد.. كله قد تقطع، فهم أشبه بالذكرى الحية منهم بالأشخاص الواقعية.. فيرحمهم الله من هذا كله فيتوفاهم.
لنا أن نتصور هذا كله. أما السياق القرآني فيعرض المشهد الأخير، مشهد وفاتهم، والناس خارج الكهف يتنازعون في شأنهم: على أي دين كانوا، وكيف يخلدونهم ويحفظون ذكراهم للأجيال. ويعهد مباشرة إلى العبرة المستقاة من هذا الحادث العجيب:
{وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً}.